وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــ يشهد العراق في مرحلته الحالية تحركات سياسية مكثفة نحو تشكيل الحكومة الجديدة؛ مسار يتشكل وسط تعقيدات داخلية وتقاطعات إقليمية ودولية.
مع استمرار الحوارات بين التيارات السياسية، تُطرح أسئلة عديدة حول طبيعة التحالفات البرلمانية، وإمكانية تحديد رئيس الوزراء المقبل، ومدى تأثير العوامل الخارجية في هذه العملية. كما تُثار مخاوف جدية بشأن وجود عوائق سياسية أو هيكلية قد تعيق تشكيل الحكومة أو فعاليتها في تحقيق المصالح الوطنية وتعزيز المصالحة السياسية. وفي هذا السياق، يبرز مرة أخرى النقاش حول مدى النفوذ الخارجي ـ خاصة الولايات المتحدة ودول الأقليم ـ في توازن القوى ودوره في عملية اختيار رئيس الوزراء.
في حوار مع الدكتور هاشم الكندي، رئيس مؤسسة البحوث الاستراتيجية «نبأ» في العراق، نستعرض أبعاد التطورات الجارية في الساحة السياسية العراقية:
تقدم عملية تشكيل الحكومة وموقع الإطار التنسيقي
قال هاشم الكندي بشأن عملية تشكيل الحكومة في العراق إن هذه العملية تتقدم الآن بخطوات دقيقة ومدروسة. وأوضح أن أهم خطوة كانت إعلان إعادة التوحد في الإطار التنسيقي الشيعي بعد الدخول في الانتخابات بقوائم منفصلة؛ توحد كان قد وُعد به قبل الانتخابات أيضاً. وأضاف أن نتائج الانتخابات حولت هذا الإطار إلى أكبر كتلة برلمانية، ومن ثم فإنه يحق له، وفقاً للدستور، ترشيح مرشحه لمنصب رئاسة الوزراء.
تشكيل اللجان وفحص أهلية المرشحين
أضاف رئيس مؤسسة البحوث الاستراتيجية «نبأ» أن هذه العملية اكتملت بخطوة مهمة أخرى؛ حيث شكل الإطار التنسيقي، بصفته ممثل السلطة السياسية لأكبر شريحة سكانية في العراق، لجاناً خاصة. وأبرز هذه اللجان هي لجنة تحديد الأهلية، المكلفة بفحص معايير اختيار رئيس الوزراء وإجراء مقابلات مع جميع المرشحين، بما في ذلك رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني. وأكد الكندي أن هذه العملية ستثري مجموعة الخيارات المطروحة.
تحديد التحديات والتشاور مع أهل السنة والكرد
أكد الكندي أن أحد المحاور الأساسية لعمل هذه اللجان هو تحديد التحديات المقبلة؛ تحديات يمكن أن تكون معياراً مهماً لتقييم مرشحي منصب رئاسة الوزراء. كما ذكر أن لجنة أخرى مكلفة بالتواصل مع القوى السياسية السنية والأحزاب الكردية لتحديد مرشحيهم في إطار تقسيم المناصب وفق العرف السياسي والدستور؛ عرف يقضي بأن تؤول رئاسة البرلمان إلى أهل السنة ورئاسة الجمهورية إلى الكرد.
الإجراءات القانونية لاختيار المناصب العليا في البلاد
أوضح أن هذه المناصب ستكتمل بعد تصديق نتائج الانتخابات من قبل المحكمة الاتحادية العليا. وتُعقد الجلسة الأولى للبرلمان برئاسة أكبر الأعضاء سناً، ويتم فيها انتخاب رئيس البرلمان ونائبيه. وقال الكندي إن البرلمان يجتمع بعد خمسة عشر يوماً لانتخاب رئيس الجمهورية؛ منصب مفتوح الترشيح لجميع العراقيين، لكن وفقا للعرف المعتاد يُختار له شخصية كردية. وبعد انتخاب رئيس الجمهورية، يُكلف رسمياً المرشح المقدم من أكبر كتلة، أي الإطار التنسيقي، بتشكيل الحكومة.
تقييم عام للعملية وتقارب السياسي
أضاف رئيس مؤسسة البحوث الاستراتيجية «نبأ» أن سير الأمور العام يجري بشكل طبيعي ووفق الجدول الزمني القانوني، وأن الإطار التنسيقي يسير بثقة نحو تحقيق متطلبات الدستور. كما تحدث عن تقارب القوى السنية في إطار ما يُسمى «المجلس السياسي الوطني»؛ تقارب يرى فيه، مشابه لتجربة الإطار الشيعي، دوراً إيجابياً في الاستقرار السياسي المقبل. وأشار إلى أن الأحزاب الكردية متوقع أن تتفق قريباً على مرشحها النهائي.
العوائق المحتملة وأجواء الحوار
أكد الكندي عدم وجود أي عائق جدي أمام تشكيل الحكومة، وأن المراحل المنجزة طبيعية تماماً. واعتبر العائق المحتمل السابق إصرار بعض القوى السنية على منصب رئاسة الجمهورية؛ مطلب أصر عليه الكرد أيضاً. وقال الكندي إن هذا الموضوع تم تجاوزه الآن، وأن أجواء الحوار تتجه نحو الاختيار على أساس الكفاءة.
رسائل المشاركة الانتخابية والشرعية السياسية
وفقاً لهاشم الكندي، تستمر الحوارات السياسية في إطار هادئ وقانوني تماماً، وتظهر أحياناً مؤشرات على تفاهمات متقدمة. وأضاف أن نتائج الانتخابات وارتفاع نسبة المشاركة حملت رسائل مهمة؛ أولها أن المشاركة الواسعة عززت الشرعية السياسية، وبخلاف رغبة التيارات التي راهنت على مشاركة منخفضة، قوّت أسس شرعية النظام السياسي.
وقال الكندي: إن مشاركة الشعب فاقت نسبة المشاركة في بعض الانتخابات الأمريكية والأوروبية، وهذه النقطة، إلى جانب اختيار شخصيات موثوقة من الشعب دون تأثر بالانتماءات السياسية أو المالية، من أبرز سمات هذه الانتخابات.
تأثير نتائج الانتخابات على الاستقرار المقبل
مع إشارته إلى نتائج الكتل السياسية، أضاف أن الانتصار اللافت للإطار التنسيقي الشيعي سيجعل البرلمان المقبل أقوى وأكثر استقراراً، وسيساعد على زيادة التنسيق بين الحكومة والبرلمان؛ أمر يرى فيه أرضية لاستقرار سياسي وأمني واجتماعي أكبر، وضامناً لاستمرار المشاريع والإنجازات التي كانت جزءاً من أسباب المشاركة الواسعة في الانتخابات.
النفوذ الخارجي واستقلالية القرار العراقي
قال الكندي بشأن مدى نفوذ الأطراف الخارجية في عملية اختيار رئيس الوزراء العراقي: إن نقاشات كثيرة دارت حول أي طرف يملك النفوذ الأكبر في تشكيل الحكومة؛ هل دول الأقليم أم أمريكا. وأوضح أن بعض التيارات المتحالفة مع أمريكا وبعض الأطراف الخارجية يسعون لتصوير أمريكا كلاعب رئيسي وحاسم في الساحة السياسية العراقية، خاصة بعد انتصار القوى غير المتوافقة مع المشروع الأمريكي.
وأضاف أن هذا الادعاء لا يتوافق مع الواقع السياسي؛ إذ إن التيارات السياسية المدافعة عن السيادة والأمن العراقي أثبتت مراراً أن القرار النهائي قرار عراقي خالص. وذكّر بأنه حتى في انتخابات ۲۰۱۸، ومع الضغوط المباشرة من الممثل الخاص الأمريكي بريت ماكغورك، لم تنجح تلك الضغوط، وتم اختيار الرؤساء الثلاثة بناءً على تفاهمات داخلية.
وأكد أنه حتى لو طرحت مطالب من أمريكا أو دول الأقليم، فإن القرار النهائي ينبع من إرادة العراقيين، وسيتم تشكيل الحكومة هذه المرة أيضاً بدقة وفق نتائج الانتخابات وإطارات الدستور.
....................
انتهى / 323
تعليقك